الجمعة، 25 يونيو 2010

يتوكأ على عماه

يتوكأ على عماه




عبود الجابري





















الى خمسة يسكبون بياضهم على عتمتي فأضيء :
• رهف
• هزار
• راما
• محمد
• احمد




















غيــــوم ورقَّيـــــة





نرسم الغيوم
ونحلم بهطول النُقَط
المرسومة تحتها



الغيمة التي ظللت بها إسمك
حّلقت في سماءِ الآخرين



الغيمةُ أنثى....
ما من أحدٍ يعرف ذكر الغيم



الغيمةُ....
زفرةُُ بحرٍ مصابٍ بالحّمى



وحدةُ الألم
نتمنى أن يكون غيمةً عابرة




الغيوم.....؟
لو أنها لم تحجب الشمس !


غيمةٌ سوداء واحدة
تكفي لإطفاء القمر



غيمةٌ غاضبة.....
أمطرتنا بوابلٍ.... من الرصاص



غيمتان ساهرتان
تتجاذبان أطراف المطر



لا تمطر الغيوم
على من ينظر إليها دائماً






حّتى الغيمة الوحيدة
تنجبُ مطراً صالحاً



ما الذي سنراه
لو صارت الغيوم مرايا.....؟



عندما تغُيم الوجوه
لماذا تمطر العيون......؟



حينَ أقفرتْ حياتُهُ
أوقدتْ له غيمةٌ..



تَرفٌ موجعٌ.....
أن تمطر الغيمة في البحر








الغيومُ مواعيد
والمطر لقاءات حميمة



الغيمة التي أودعناها سماءَ العراق
تزلُّ أقدامها....
كلما حاولت أن تمطر النخيل



كعادتهم دائماً....
يشبعوننا غيوماً



هل المطرُ
دم الغيمةِ الجريحة.....؟



وماذا لو لم يلتئم جرحها....؟


هل كانت
ستمطر حتى الموت.....؟












منازل اليــــــد


ابسط يدي
حين تكونين على مقربة
وأغمضها
عندما يسيل ظلك بعيدا
يدي المخضبة بشعرك
هي ذاتها
اليد المرقشة برماد الأرواح
التي صافحتني.. قاصدة سماء الله
يدي
التي تنفض عن قميصك
رماد الأسماء
ورذاذ العطر
وبلورات الدمع القديم
يدي التي تفر مني إلى قميصك
يدي التي تفر من قميصك
هاربة إلى يدي الأخرى
يد يتيمة
تعرف أن الدعاء
يحلق بكفين ضارعتين
وان العناق
تلصص أصابعي على تضاريس جلدك
يد مغتربة
ترتجف بين أصابع الشرطي
واضعها على شفتي
عندما يفضي بي الغناء
إلى الموت
يد حانية
أتلمس بها جبين البلاد
ذات حمى
ويقرا لي العرافون
_ في خطوطها _
أيامي المرسومة على حاشية الرغيف
يد تحترق
بجمرة ثدي
أورق بين أصابعها
وتنطفيء
بماء التجلد
يدٌ عاريةٌ
يتقاذفها الفقهاء
وتتململ عند ارتعاش الشفتين
يد طويلة
تبعثر الملاءات
وتسرق تفاصيل الجسد
عندما تقصر قامة الضوء
يد قصيرة
تذبل في التمني
و في ماء العين البصيرة
يد تعد
ويفجعها شح الأصابع
في عد الأيادي التي بارحتها
يد تبطش
بالهواء حين تغلق الأبواب والنوافذ
يد تطلق النار على الشمس
حين ترخي ستائر الغرف الرطبة
يد تطرد الحكمة
بالشجار
وتمنح الدليل على ما تقترف
يد ..
يرى بها الأعمى
ويتلمس بها العاشق
يد ..
تكتب .. وتمحو
يد عليا ....!!
بين أصابعها
تقبع النواصي
وملك اليمين
وأيادٍ سفلى....
تائهةٌ
تبحث عن يدٌ تطلع من بين الركام....




















كما لو أنها قصيدة حب

قلت للقلب:
كن بردا وسلاما على أصابعها
حين تلامس جبيني
كن حكيما
وفكر بأبجدية يدها
وكما الشهداء، توكّل على الصمت
ودع رفيفك عالقا في طين المئذنة
كن مثل خطوة الغريب
يتوكّأ على صور المدن في الخارطة العتيقة
ويتعّثر بمسقط راسه
- لا أثر على الرمال
- ولا بصمة على الستائر
كن أليفا
ودعها تطأ تراب حاضرك
، طين ماضيك
انتصر لها عند جرحك القديم
ويمم وجهك شطر ابتسامتها
خبيء وجهها في مرآتك
يسيل ظلال امرأة
- غانية في قميص النوم
- داجية في بلور الوحشة
- راهبة في القبض على ما يهرب من الصلوات
انتصر لها..
مسافرة في تاريخ مقطوع الرأس
تكنس البارود عن ذاكرة بنيها
وتبحث عن آبائهم في نثار الخزف
كن دليلها
وهيء لها من أمرها وطنا
امنحها من أحلامك فرسا بالية
ورغيفا يتهشم على ركبة الضيف
زيتا خاثرا
وملحا أسود
كن شفيعها
والتمس لها عند شياطينك جنة
وخمرا مما تبقى من موائد الآلهة
كن قرصان وحدتها
وامض بيديك حتى آخر خيط في ثوبها
خذ زينتك عند تخوم بطنها
وتريث عند مشارف ثدييها
أطلق سراح شفتيك
وقل :
اللهم اني نويت سفرا
فيسر لي مما يرعى في سمائك قطيعا من الغيوم
ومما يسبح في أرضك من سفن النجاة
أولست عبدك وابن عبدك؟؟
وابن أمتك التي أثقلت كاهل الكون بي
ثم غشيتها سكرة الرحيل اليك...؟
أللهم ..
أنا العاشق الذي لايموت
ألأحمق الذي يهرب من الفراشة
الحالم بتمشيط غرة الأسد
العاشق القديم
بأيقوناته
وشمعداناته
ورسائله المؤجلة
لست صفصافة تراوغ موسم الذبول
أنا صديق من يعنى بالورد
ويقطف الأغاني عند مراقصة الدرويش
أبحث عن حمرة الخد في الوشم القديم
وأتحسس المسافة
بعينين تجرحهما خشونة المعنى
ويدين تبصران الطريق الى أزرار قميصي
لي من الأسنان مايكفي لعض شفتي
ومن الأولاد ما أكشر به عن فحولتي
ولدي من الجوع ما ألعن به ثراء اللغة
ليس بي رغبة في الموت
لأنني قلما أموت
قلما يحزنني تقافز السنوات
كالأرنب في ذاكرة صياد عجوز....

15 نيسان 2009

















ساعة معطّـلـة



لاوقت في معصمي
كي أزف إليك الصحو
ممتثلا لعصافير تنقر اوراق القلب
أنام حين ينوء بظهري كرسيّ عجوز
يتولّى انتظار الصباح معي
وأصحو
حين يهز جسدي السعال
ثمة ساعة تتربّص بنهاراتي
ورصيف تعود أن يلقي السلام عليّ
ويخبر حاجب الخليفة
إن كنت قد مددت بساط النوم على عينيّ
اخرج من البيت عندما اشعر أن المسافة بيني وبينك
مقدار رقة الشمس
بين ثقوب الستائر
وآكل عندما أجد طعاما في خرابة الفقير
واشرب ما يقطر من منقار حمامة مريضة
وأدخن ما يتيسّر لي
من لهاث الخليقة
....
لاوقت في ساعتي
انظر إلى العقارب
رافعة أذنابها
وابحث عن زورق الوقت
في الميناء البلوّري
وافرك بأكمام قميصي
زجاجها الذي علاه الضباب
فأدرك لماذا ألفيت معصمي خفيفا
ولم اكترث لعتمة المدن التي هاجرت من جبهتي
وتثاقل دمي في الشرايين
إنها ساعتي ..إذن
معطلة ...!!!
ذلك تبرير للآخرين
لكي يلقوا ظلال أوقاتهم على جسدي
ومحنة في تحديد ساعات الصفر
- ساعة لفك طلاسم الوطن
- ساعة لمعرفة أين اختفى الجرح الذي خلفته العصافير في شفتي
- ساعة لترديد النشيد الوطني لخمسين قرية وهبتني شتاءاتها
- ساعة لمراقبة سفارات عزرائيل في الأرض
- ساعة لانتهاز قيلولة الخليفة ..
- ساعة.......!!!
هي يدي إذن تحتفل بموت الدقائق
واخضرار العفن على جدران الساعة القتيلة
هل علي أن أتذكر سلفادور دالي
واسخر من عفونة الوقت في ساعتي ..؟
هل علي أن أقودك الى حيث نغمض اعيننا
ونشطب النهار من ساعة على الجدار ..؟
هل علي أن امحو عاما كاملا
بنهاراته ولياليه
لأستعيد بكارة بغداد ...؟
واكتب من جديد تاريخ ميلاد الجسر
هل علي أن أصدق أن رايات سودا
ستخرج من مؤخراتنا ..؟
الساعة بوصلة الحالم
والمشرق صار غربا
لكتائب تنام على قبور آبائنا
المشرق الذي لم يصلّ مع عليّ
ولم يحضر مادبة معاوية
المشرق الذي يقف على الجبل
يرقب رماد الذهب
في مواقد الحكائين
...........

هل علي أيضا ..
أن أمضي بالبزة العسكرية الى حيث تنتظرين..؟
وأقلد جيفارا
واسلم رئتي للسل..؟
اقترحي انت ساعة لا تموت
وأياما بلا عقارب
اقترحي رجالا
ونساء
وعصافير
لا يلوون معاصمهم ،
ثم يحثون الخطى صوب ساعاتهم القتيلة
اقترحي
فلم يبق من الوقت
سوى اربعين ذراعا
بين موت الرحى
واخضرار الحجر...


ايار 2009





تخطيطات حجرية


(1)

يعتذر الصائغ من الذهب
لقد رصعه بالحجر

(2)

طعم شفتي تراب
لفرط ما قبلت من أحجار

(3)

الحجر ..
وسادة الغريب

(4)

غالبا ما يتوسد الحجر
كتف الوردة كي ينام

(5)

يسقط الحجر علي فأنكسر
يفرح هو بقسوته
وأفرح برقتي

(6)

حتى الملك ..على رقعة الشطرنج
يدعى حجرا

(7)

الحجر وحدة قياس المسافة
بين رام كسيح
وشجرة باهظة الثمار

(8)

..حين يرونني طافيا
لماذا يربطون في قدمي الحجر..؟؟

(9)

الحجر لايشرب الماء
فلماذا لا يموت من العطش؟؟

(10)

لسيزيف الحجر
ولنا انتظار الهاوية





(11)



الحجر..
ائتلاف الرمال

(12)

ما بال أجدادنا ؟؟
لم يخلفوا لنا سوى
تاريخ مكتوب على الحجر

(13)

الجبل..
بلاد من الحجارة..


(14)

من كان منكم بلا ضغينة
فليرمها بحجر ..

(15)
حين يقترب الموت
نلوذ بالحجر

(16 )

الحصاة..
ابنة الحجر

(17)

الكهوف
أحجار حانية


( 18)


يدهشني أنها تبتسم
كلما أقول لها :
قلبك من حجر

(19)

أيها القمر
مادمت حجرا
فلماذا خدعتنا عمرا طويلا؟؟

20)

هي حجر
وانأ ماء
كلما اكتفيت بالسكون
ملأتني بالدوامات

(21)

ابتسامتها ..
كانت حجر الأساس


(22)

الرخام..
حجر أدركته النعمة فجأة

(23)

ما بيننا فقط
حجر صغير
كلما هممنا بالتقاطه
تصادمنا بالرؤوس



(24)

الثقوب
أحجار مهاجرة من الجدار




(25)
لماذا يسيل الدم من رؤوسهم..؟
أو لم يكن حجرا ضئيلا ..؟

(26)


بين حجر وحجر
لابد من حجر
آيل للسقوط


عمان
2009-05-14














نــــــزلاء


مثل عشبة ندية
تنسّلين تحـت الغطاء
فاسأل نفسي
هل سأكون نزيل ذراعيك
أم نزيل الفراغ الذي يلي ظهرك
أنا وأنت
نزيلان في ليل أضيق من السرير
وأوسع قليلا من نهار المتسّول
تستيقظين في الشروع الأول للنوم
لتسألي عن النزلاء الصغار
في الغرفة الصغيرة
بينما أنا منشغل بالجدوى!!
النزيلة الثانية في دفتر العائلة
تسألني عن الجدوى ايضآ
_ لماذا تكتب في الجريدة مادام الناس سيأكلون
عليها في اليوم التالي...؟
_ لماذا تصرّ على تقبيل أخي وأنت تراه يبكي
من وخز شاربيك..؟
أقول لامرأتي :
_ أطلقي سراح السمكة الزرقاء ؛ نزيلة حوض الماء
البلوري
فتسخر مني _ باللا جدوى طبعا _
وتقول لي :
_ البحر بعيد ، ولا انهار في هذه البلاد
ابحث في دفتر العناوين عن نزيل قديم ،
فاكتشف أني لم اعد نزيلا في ذاكرته
اقلب الساعات على رؤوسها
_ بعض من لا جدوى معرفة الوقت _
مادمت نزيل ظلام طائل
_ لا جدوى من التملص مما أنت فيه !!!
أنت نزيل أرض غريبة
فلماذا تشير بقلبك إلى الوطن ؟
هل هو الحنين إلى المهجع ..؟
_ لماذا يسمونه مهجعا ..؟ _
لعلهم يرون الحرية تجوالا متعبا..
أمس مات المغني
فأودعوه مهجعا رطبا
وضعوا ألواح الاسمنت على أضلاعه
وأهلنا التراب على أعضائه
_ كان نزيلا صامتا جدا _
هراء ..
فما جدوى الكلام إذا كنت ستصمت أخيرا..؟
ها ها ..
عندما كنت نزيل عطرك آخر مرة
أحسست بلا جدوى شفتيّ
هراء من نوع آخر
فربما صرت نزيلا يسعى بلهفة إلى مهجعه..
_ لا جدواي عاشقا هذه المرة _
ارقص بين حشد من النزلاء
وأقول للفقيه:
إني سأواري سوأته
أقول للوزير:
انه جدير بدم العباد
أقول للراقصة : _ حان موعد صلاة الفجر _
أقول للطفل : لاتقل لما سيأتي أفّ"
أقول للمرأة : إنها طبق الأصل عن الموناليزا
أنا آخر النزلاء
وسوف انتظر طويلا
وحشة التنزه حرّا
في ريش الحمام
أو في المسافة بين بابين
أو ذراعين
في سفر القبلة بين خدين
امضي
واختم عمري
نزيلا في بلاهة النزلاء


عمان 28/3/2007























أسبـاب موجبــة


الولد النائم في زاوية الغرفة
كما لو انه ابني
يبدو كقاطف المناديل
يسابق ايامه للوصول الى دمعتي ...
*******
الولد الذي يلعب في الردهة الضيقة
يشبه ابني تماما
يتمنى أن يركل الهواء
ولاتصطدم قدمه بالجدار
*******
البنت الابدية الذهول
والبنت التي تحب ملاعبة الأولاد
والبنت الثرثارة
كأنهن بناتي
يحملنني كقطعة ثلج بين الأصابع ...

********
المرأة التي تصلي قربي
شديدة الشبه بامرأتي
تحب الشعر
وتكره الشعراء
وتدعو لي بطول ( البقاء )

********
لست على يقين من ذلك
امرأة تبكي عندما يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود للرغبة
هل كنت انا من قال لها
ان الدمعة تاريخ يتوارى بين الأجفان؟؟
هل كانت تعرفني ؟؟
لتنثر ايامي
كما حبات العنب عند افول الموسم
ولماذا ابدو طيبا جدا
ومسالما جدا
لاانكر شحوب اللغة على لساني
افرح حين تتعافى من تعب
واحزن حين يعاجلها الليل بالترنح على بابه
انظر في المرآة فاراني غير الذي الفته عيناي
كيف وصلت الى هذا المنزل ؟؟
ومن فتح الباب ليدخلني
دون سؤال
ولماذا يتراكض نحوي هذا الجمع
ويروي لي ما لا افهم من التفاصيل:
واذا ما حل الليل
فأين سارخي كتفي واغفو ؟؟
منتظرا عودة رب المنزل ...
آب /2009





















لم يمهله طويلا
_____________


سيموت غريبا
اثر وطن عضال
لن يمهله طويلا
*******

سيموت غريبا
لأنه لم ينفض التراب عن لحيته ،
ولم يمسح الدم النافر من جبينه ،
كانوا يلقون عليه الورد حين تذبل عروقه
ويضربونه بالأغصان حين تبتل ذوائبها
كان يتلبث عند خيامهم
ويغني لأولادهم السادرين في النوم
كان يعرف انه سيموت غريبا
فيوغل في نار وطنه عميقا
*******
سيموت وحيدا
وسيحتفل اصدقاؤه
بتقاسم الرصاصة الأخيرة
*******
سيموت ..
قبل أن ينسى وصيته الأخيرة
*******
اهرب يا أخي اهرب ..
كان يقولها لي دائما
هل كان خائنا
لأنه هرب وتركني وحيدا ..؟؟

********
وكنت جمعت له ما خلفته العواصف من خيوط ، وقلت له طر بحلمك الى حيث تضع رحلك في ماء السكينة او في تراب الهدأة ، وتخير من الحور من تجدها اقرب الى ضلالك ، هائم انت في صوفية الصمت وعيناك تذرفان الأغاني ، فأنى لهم أن يسمعوك ؟؟ ، أنى لعينيك أن تبرقا في سورة انشغالهم بتعداد مواشيهم ، أنى لك أن تؤذن في غلمانهم السادرين في النوم ، ونسائهم الغارقات في المرايا ، كانوا يلعقون الحكمة الملتصقة في اناء حماقاتك ، ويسومونك سوء الأنصات ، كانوا يضربونك بالوردة حين تذبل عروقها ، وبالغصن حين تبتل ذوائبه ، كانوا ينثرون غيابهم على حقول انتظارك ، ويشمتون بمصابيحك الذليلة .

********


غير انه لم يبرأ بعد من اغنية قديمة
اسدل الستار على اسمه
وترك لصوته ان يتيه في الأسماع
وتعلق بأستار صمته ....
*******
وإذ قلت له
ماذلك بمرآتك ؟؟
قال : هو عماي
اتوكأعليه
وأهش به على ما أرى
من الظلام ...

*******
وحين أضاءت من حوله القرى
رأى الموت باسقا
فأناخ براحلته عند أغنية عتيقة
وأعلن انه ماض
ليموت ...




عمان
آب 2009











كتاب القمصان


مرايا شعرية

إلى : احمد الشيخ علي .. مرآتي البعيدة







قميص يوسف


معلّقا فوق حبال الغواية منذ قرون
ما الذي كان سيحدث
لو انه قـــّد من قبـــل...؟












قميص عثمان

دم يابس
يتسلق مئذنة التاريخ
دم يصلح دائما
لابتكار الحروب


القميص الأسود



على ذمة موسوليني
قميص اسود
يتناسل في الشوارع
ورجال بقلوب داكنة
يتربصون بقلوبنا البيض






قميص مايكوفسكي

القميص الأصفر الواسع
الذي طعنك في الصدر
نبوءة الحسناء
التي أيبست ( الغيمة في البنطلون)
اعترف أيها العزيز مايكوفسكي
إننا نرتديه صباح مساء
وترّوج العرافات موتنا
لكننا .. لا نموت ...














قميص فلسطين


نملؤه باللافتات
ونمسح بأكمامه
دموع أمهاتنا
اللواتي يرددن دائما
(الله كريــــــــــــم )

















قميص الشهيد


شظية غبية
ثقبت صور أبنائه في الجيب الأيسر
.. يرمم ثقوب القذائف
في خارطة البلاد






















قميص رهف*



غيمة تسقط في حضن البدوي
يداعب خاصرتيها
فتمطر ضحكا ابيض



*ابنة الشاعر












قميصها



ستبدو مأخوذا بهذه الكتف البيضاء
فينتهي ماتوهمته ذات يوم
- إصبعك المعقوفة في الهواء كما لو انه زناد
- والانبطاح على الأرض دونما سبب
ستظل مأخوذا
تسرق لصوتك بحّة العاشق


وليديك همهمة الأخرس
تتلمس جسدها
مثلما تقلب أجنحة الفراشات







قميص آبي ذر


امض إلى الربذة ...
امض إلى هناك بابن جنادة
.....
سوف يغبطك الأمراء المنفيون إلى العواصم
ويؤمّ صحراءك الموتى
الذين لن يجدوا من يتكفل بدفنهم
خذ حكمتك وارحل
فالغبراء التي تقلّك
خير من خضراء لا تظلل أهلها
ارحـــل
ودعنا نسكن زمنا آخر
نبحث فيه عن سيوف نشهرها
حين لانجد قوت أيامنا










قميص مانديلا

طوبى لها
تلك الورود التي تتمسح بأذيال قميصك
طوبى للبيض الذين سئموا بياضهم الفج
وطوبى للسود الذين استظلوا بقميصك
فابيضّت جباههم
مانديلا....
هل بقي لديك مّتسع من العمر
كي تمنحنا شرف اعتقالك مرة أخرى؟؟
ربما سيمتد هذا الشرف قليلا
وربما لن نجد مقصلة تليق باسمك
فنكتفي حينها برصاصة رخيصة
امنحنا هذا الشرف
ولو لبرهة واحدة
امنحنا ما تراه رّثا من قمصانك
المليئة بالورود
نعلقه على شرفات بلادنا
ونحلم انك حّر مرة ثانية




قميص العراق




غفرانــــك..
فقد تكاثرت المرايا
واسودت الوجـــــوه














قميص جيفارا


ها أنت .. بلحيتك الطازجة
مرسوم على القمصان
والحيطان
وريش العصافير
ها أنت .. تخمش الهواء من قناني العطر
والماء من الغيمة الآفلة
وها أنت أيضا
تعود حزينا .. منفيا
يجرحك الطبالون
ويقتلك الرسامون
فيقترحونك تاريخا
ما عاد سوى رسم
فوق القمصان







قميص الحلاج



إنهم يبحثون عن رمادك
يهزون سعف النخيل
وعباءة الأم التي تطحن عيناها الليل
لكي يعود الأولاد
يبحثون عن رمادك
في عقال الأب المغبر
وفي سارية العلم
يبحثون عن رمادك
في الأسماء
يبحثون عن اسمك
في الرمـــاد










قميص المعري



النجوم التي تلامعت في عينيك
لم تكن قلائد ( عروس الزنج )
كانت شرر أرواح
متلاحمة
هاربة
من ظلمة الإبصار
إلى نور عماك








قميص الدمعة




لا تنزل ..
رغم خراب الروح
وصليل الأسماء















قميص الياسمين




هو الآن يحصي غنائمه
-نظرة عرجاء صوب شرفتها
- وضغينة ناعمة على خيانة المواسم
- وانتظار ربيع أخر
........
......
يذبل قميص الياسمينة
فتساقط أوراقها
ويسود القلب منها
فيعود ثانية ليحصي هزائمه
ليس له سوى عطر مجفف بين أضلاع الرياح
وعينين ترنوان إلى ربيع فائت
وضغينة نائمة على قلبه
الذي رأى الياسمين يجفف قمصانه
فتراقص نزفا.. نزفا
واكتفى ببقايا نظرة عرجاء
وربيع شاحب
وأغنية مخضبة بدم الياسميــــــن





















قميص غاندي


أيّها المسالم حدّ الموت
ربما لم يسعفك العمر
كي تكتب كلاما
في مديح المسدس














قميص بغداد


لم يجدك البرابرة
والسماسرة ، حين عبروا الجسر
لم يجدوا عيون ألمها
ولم يجدوا عليا بن الجهم
لم يجدوا الشعراء
لم يجدوا سوى سفينة
تحمل من كلّ زوجين اثنين
وتوغل عميقا في الطوفان












قميص الحجاج



الرؤوس جميعها يانعة
فمتى
تتعب
من
القطاف ....؟؟؟
















قميص امريء القيس


اليوم خمر
وغدا ..خمر
وبعد غد أيضا
أما الأمر ..
فلم يكن سوى هذيان مخمور
يقتل الندمان آباءه
فيشرب نخب موتهم
حالما بالصحو
بين جرار النبيذ









قميص هولاكـــو


أتراك عدت هانيء البال
بعدما أغرقت دجلة في المكتبة العظيمة ...؟؟
ومهرت بخاتمك صكوك الولاية
لأبناء عمومتك
أتراك شربت من ماء العراق
وعاد بك ظمأ الحنين
لتشرب مرة أخرى
؟؟؟…….












قميص الغفران


أغفر لأبي حزن أمي
أغفر لأمي اشتعال أخوتي في ظلام حزنها
أغفر لأخوتي كثافة أسمائهم في دفتر العائلة
أغفر للعائلة مسقط الرأس المؤجل
أغفر لمسقط الرأس خشونة طبع البلاد
أغفر للبلاد المنفى
أغفر للدائنين عجا لتهم
أغفر لزوجتي أولادي
أغفر لأولادي شيخوختي
أغفر
أغفر
وأعلم أنها خطايا ألبستها قميص الغفران






قميـــــصي

وحين لم يبق من الحشد سواي
جمعت فلولي
ومضيت الى الساحة وحدي
وتقافز من حولي:
- العسكر والأصحاب
فلم يجدوا
سوى لساني الأثري
وقميص ابيض
حملته لافتة
تبحث عما كان عليها من كلمات ..










قميص المرآة



تبكي هذه المرآة
من كثرة الوجوه التي انهمرت على زجاجها
والعيون التي غيرت لون فضتها
تبكي..
حين تسائلها امرأة
عن شكل ضفائرها قبل سنين

ويعابثها رجل
يبحث عن وجه أودعه بين صحائفها
ومضى يتحدث عن مرآة خائنة
ووجوه تتجعد في المرآة




قميص التراب

أغرق في ذاكرة تراب آخر
يرسم وجهي من جديد
ويطبع حروفا أخرى على لساني
- يلمسني فأمّحي
- ينفخ في جسدي من روحه
فأصير غبارا
تتقاذفه الريح
وتغلق دونه المدن الأليفة
أبوابها













قميص المتنبي


أغتنم مقامك بين يدي ( كافور )
فثمة ( فاتك ) عند كلّ منعطف
وثمة خيول
ورؤوس
وعواصم
يجرحها ( بم التعلّل ..؟؟ )











قميص أبي



منذ أسلمتني للعريف المعتق
عرفت أنّ موتك
رداء أوسع مما يلزم جسدي
فمضيت
أهيل الأرصفة المكلومة في جوفي
وأفتش عن أخوتي
بين طيات الرداء





عمان
2005- 2007




الأبــــــواب



(1 )
طرق الباب
ونام عند العتبة
منتظرا من لايفتح له

(2)
الباب الكهل
تئن مفاصله
فيشقى بالصرير

(3)
المنزل المهجور
باب يشكو من البطالة


(4)
قليلا من التهذيب أيها الموت
اطرق الباب أولا

(5)

يتحسّس جدار غربته
عسى أن يعثر
على باب الوطن

(6)
من بعيد ..
تبدو المنازل
بلا أبواب

(7)

النوافذ
أنصاف أبواب

(8)

أضعنا المفاتيح ...
فلماذا لانخلع الأبواب...؟

(9)

الأبواب المقفلة
عيون مغمضة

(10)

لاتطرقه بشّدة
انه باب يبكي

(11)

يحرص العراة
على إقفال أبوابهم دائما





(12)
الصمت ..
باب الأسرار


(13)

الفقر
باب مؤجّل

(14)

الباب الموارب
امرأة تنتظر

(15 )

الأبواب التي تصطفق
أغنية الريح

(16 )

العين ..
باب القلب

(17 )

البكاء
باب الرجل الأخير

(18 )

أبواب العشاق
تحلم نهارا
بحلول الليل



(19)

الحرب
باب الموت

(20)

السماء
باب العصافير

(21)
السماء أيضا
باب الله

(22)

التاريخ
أبواب صدئة

(23)

قميصك
باب
احلم أن اطرقه

(24)

الباب الزجاجي
أغنية من وراء ستار

(25 )

الأبوة
باب اليتم



(26 )

لنا باب
يحلم برحيل البرابرة



(27 )

يفتح بابه في الليل
ينتظر
وصول النهار


(28 )

المفاتيح
توائم الأبواب


(29)

يد الأعمى
باب عينه



(30 )

الباب الذهبي
سليل باب من الصفيح


(31 )

لافائدة من طرق الباب
ماداموا ينظرون إليك
من ثقب المفتاح





عمان /2009














عبود الجابري
العراق /1963
صدر له :
- فهرس الأخطاء – شعر / دار أزمنة – عمان 2007
- ترجم ونشر العديد من النصوص والدراسات النقدية عن الأنجليزية .
- يقيم في الأردن منذ عام 1993 .
- البريد الالكتروني :

abboudaljabiri@yahoo.com

Abboud_aljabiri@hotmail.com

www.aljabiri1.blogspot.com











المحتويات


غيوم ورقية ..1
2. منازل اليد .
3. كما لو أنها قصيدة حب .
4.ساعة معطلة .
5.تخطيطات حجرية .
6. نزلاء .
7.اسباب موجبة
8. لم يمهله طويلا .
9. كتاب القمصان .
10. الأبواب.

السبت، 1 مايو 2010

خلدون عبد اللطيف : يتوكأ على عماه هدنة مع الذات والأمكنة

خلدون عبد اللطيف : يتوكأ على عماه هدنة مع الذات والأمكنة / القدس العربي

خلدون عبد اللطيف
4/23/2010


بعدَ ' فهرس الأَخطاء' الصادرة عن دار أزمنة عام 2007، صَدَرت للشاعر العراقي عبود الجابري عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر نهاية العام 2009 ثاني مجاميعه الشعرية تحتَ عنوان ' يتوكَّأ على عماه'.
الجابري في مجموعتهِ الجديدة يَنحى غالباً باتجاهِ إِنتاجِ قصيدةٍ مُكثَّفةٍ لا تخلو من تَوهُّج وومضات خاطفة، فاتحةً الأبوابَ على مصراعيها للتأويل والتَّرسُّبِ تدريجياً وتلقائياً في قرار الذائقة والشعور، من خلال مقاطع قصيرةٍ لكنَّها مُنتظمَة ضمنَ نصوص مستقلة ومتفاوتة من حيث الطُّول، ومندرجة تحت عناوين شاملة وذات دلالة عامة، بحيث يغدو العنوان في كلِّ نصّ بؤرةً مُرَكَّزةً لانطلاقِ القَصيدة، ومحوراً ثابتاً تدورُ في فلكِهِ تلك المقاطعُ القصيرة، دونَ أن يلغي ذلك خلوَّها من شعرية عالية ومشهدية صارمة أيضاً، فَضاؤها لا محدود وأسوارها التجريدية عالية، لكنَّها رغم هذا وذاك غيرُ منفصلةٍ عن الأرض بقدر ما تُعامِدُها في نقطةٍ لا يَصلحُ فيها إلا ولادَةُ الشِّعر. هنا تكمنُ أهميةُ العنوان لدى الجابري باعتباره المُمَهِّدَ لدخولِ عالم النَّصِّ/ المتن الشِّعري، والمؤثِّر الأوَّل في خلق تأويلات سابقة على قراءة ذلك النَّص، بحيث تتأكَّد أو تنتفي هذه التأويلات عند الانتهاء من فِعلِ القراءة.
عنوانُ المجموعة ' يتوكَّأ على عَماه' الذي يُحيل إلى الآية الكريمة من سورة طه ' وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى' هو بمثابة إعلان صريحٍ من الجابري عن تَعطيلهِ للبَصَر القاصِرِ عن فِعلِ الرؤية، في حين يُصبحُ العَمى/ الضدُّ وسيلتهُ لاجتراحِ البصيرة وإزاحةِ الظلام، وصولاً إلى رؤية ما لا يُرى ' وإذْ قلُتُ له / ما ذلك بمرآتك؟؟/ قال: هو عماي/ أتوكأ عليه / وأهشُّ به على ما أرى/ من الظلام...'
يَكتبُ الجابري عدداً لا بأسَ به من قصائد مجموعتهِ مُستَفيداً من شعر ' الهايكو' الياباني و' فنِّ التوقيعات' الذي عُرفَ بشكلٍ خاص في العصر العباسي وصولاً إلى ما أطلق عليها قَصيدة التوقيعات أو الهوامش، والتي أخَذَت طريقها إلى الانتشار عربياً بدءاً من ستينات القرن الماضي، فهو يُؤثِّثُ قصائدَهُ بتؤدةٍ وانهماكٍ وفق هندسة شعرية ولغوية مضبوطة، وخلوٍ من الحشو إلى درجة الاقتصاد، بِقَدرِ ما تتطلبه هكذا كتابة شعرية من كثافة وإيجاز ونبرة إيقاعية متوترة، على الرغم من كونها ملغومة بالمقولات ومفتوحة على التأويل، إضافةً احتوائها على دفقات من العبث والسخرية اللاذعة، وإمكانية التقاطها في بعض الأحيان من قصائد طويلة أو متوسطة الطول، كما في قوله: ' طرق الباب/ ونام عند العتبة/ منتظرا من لا يفتح له'. لكنَّ شظايا الجابري الشعرية ليست متناثرة بعشوائية، إِنَّما تُقرَأُ كُلاً واحداً كونها مزروعة أبداً في جَسدِ القصيدة، ولا تنفصلُ عنها كما انفَصَلَتْ أَحجارُه عن الجدار ' الثقوب../ أحجار مهاجرة من الجدار'. هنا يبدو التقاط التفاصيل الصغيرة من الحياة العابرة والاحتفاء بها مَقصوداً إلى أبعد الحدود، من أجل إبرازها وتحويلها إلى بؤرة ضوئية ومَركَزٍ للصراع، وهذا ما يفرضُ اعتناءً كبيراً بالمشهدية والإشارات البصرية لدى الجابري، إذ يَغرفُ من مخزونهِ وإرثهِ الصُّوَري، ويحيلها بخفة الشاعر إلى إشارات تشبهُ ضربةَ فرشاة الألوان فوق سَطحٍ أبيض، فَتشعرُ أثناءَ قراءته بأنَّهُ يرسم لوحات بالكلمات، عبر لغة تتوسط الفن الشعري والتشكيلي على حَدٍّ سَواء، سعياً وراء خلق حالة تستفزُّ القارئ لإطلاق مخيلته ورسم لوحته الخاصة، مُستنداً إلى أبعاد دلالية واستدلالية للتماهي مع النص المقروء ' نرسمُ الغيوم/ ونحلمُ بهطول النُّقَط / المرسومةِ تحتها'.
عدا عن فكرة / تقنية الشظايا، من الملاحظ أنَّ هذه المجموعة للجابري تميَّزَت عن مجموعته الأولى ' فهرس الأخطاء' بانعقاد هدنة بين الشاعر وذاته، وَصَلت أحياناً حدَّ المصالحة، دون أن يعني ذلك توانيهِ عن وضع نفسه موضع المساءلة ' لا أُنكرُ شحوبَ اللغة على لساني/ أفرحُ حين تتعافى من تعبٍ/ وأحزنُ حين يعاجلها الليلُ بالتَّرنُّح على بابه/ أَنظرُ في المرآة فأراني غير الذي ألِفَتهُ عيناي/ كيف وَصلتُ إِلى هذا المنزل؟؟'. فالصُّورُ المتتابعةُ والمنفلتةُ من أيِّ قيدٍ داخلَ معظم قصائده، تتكاثفُ وتتكاتفُ أيضاً ضمن سلسلةٍ من الكتابة الشعرية المُرَكَّزة، حتى وإنْ بَدَت قصيرةً على مستوى الكمِّ للوهلة الأولى، يُحاولُ الجابري بواسطتها خلقَ معادلةٍ من نوعٍ ما تسعفهُ في إطالةِ أمدِ هكذا مُصالحة مع ذاته المغتربة من جهة، ومع الأمكنة الجديدة التي بات مُجبَراً على قُبولِ الارتباطِ بها من جهةٍ أخرى، بما تُفرزُهُ هكذا محاولات دؤوبة من لا توازن أو استقرار على مستوى العلاقة التي قد تنمو وتتطور بين كلا الطرفين، وقد تهوي أيضاً بأَحَدِ أطرافها أو كليهما إلى قرارٍ مجهول 'كُنْ مثل خطوة الغريب/ يَتَوكَّأ على صُور المدن في الخارطة العتيقة/ ويَتعثَّر بمسقطِ رأسه'.
ثمَّ هناك أيضاً مقاطع وأسطر شعريةٌ تومضُ بأسئلة وجودية، لكنَّها تظل دون إجابات شافية، كأنَّ الجابري تَعَمَّدَ تَركَها مَفتوحةً على قَلقِ التَّأويل، أَو في مناطقَ وسطى ' ما الذي سَنَراهُ / لو صارت الغيومُ مرايا...؟' كما يَتَبيَّنُ لاحقاً من قراءة المجموعة كاملة أنَّ الجابري يَتَخَفَّفُ من أثقالِ اللغة عبرَ اللجوءِ إلى كتابةٍ شفيفة، لا يمكنُ إلا أَنْ يَشعرَ القارئُ بوَخزها بين مقطعٍ وآخر، دونَ أَنْ يكونَ ذلك على حساب الشِّعريَّةِ الصافيةِ أو خَلخلةِ قواعدِ اللغةِ المؤسَّسَةِ على إرثٍ عَميق، بينما تَغدو البَصيرةُ المنشودةُ في النِّهايةِ أكبرَ من مُجَرَّدِ أمنيةٍ عابرة أو نُبوءَةِ شاعرٍ مُرتَحِل ' سَيَموتُ غَريباً / إثرَ وطنٍ عضال/ لن يُمهلهُ طويلاً'.
وإذا أَرَدنا التَّمادي في تأويلِ النُّصوص، لَقُلنا انَّ استخدامَ المتواليات على شكلِ التماعات قصيرة أو قصاصات شعرية أو حتى شظايا داخلَ بناءٍ شعريٍّ واحد كما هو الحال في نصوص ' غيوم ورقية'، ' تخطيطات حجرية'، ' كتاب القمصان' و ' الأبواب' هيَ السِّمةُ الغالبةُ على أسلوبية الجابري في هذه المجموعة بالذات، وقد تُحيلُ بشكلٍ أو بآخر إِلى حالةِ التَّشظِّي التي يُعاني منها الشاعرُ المصابُ بنوستالجيا الوطن منذُ غادره، خصوصاً انَّ هذا الوطن ( العراق) لا يكادُ يَغيبُ عن أي قصيدةٍ من قصائدِ المجموعة، سواء بشكلٍ صريحٍ أو مُضمر، ففي نَصِّ ' الأبواب'، يُحَمِّل الجابري أبوابَهُ رموزاً لم تُطرَقْ من قبل، فالبابُ عنده ليسَ مُجَرَّدَ أَمَلٍ يَتَعلَّق به، أو قَنطَرةٍ يَعبُرُ فَوقَها إِلى ضفَّةٍ أخرى، أو حتى مُجَرَّدَ بيت / وَطن يُنازعُهُ الحنينُ للرجوع إِليه، بل هو كلُّ ذلك وأكثر، خاصةً حين يحاولُ الجابري أَنسَنَتَهُ كما في قوله: ' البابُ الكهلُ / تَئنُّ مفاصلُه / فَيَشقى بالصَّرير' أو قوله: ' لا تَطرقهُ بشدَّة / إنهُ بابٌ يبكي' بينما في ' كتاب القمصان' نَقفُ على متواليات أو دفقات شعرية لا تَشتَرطُ قراءةً تراتبية أو مُؤطَّرة، بقدر ما تُشكِّلُ في مُجمَلها لوحةً فسيفسائية، تُحيلُ كلُّ قطعةٍ فيها إِلى بوحٍ مكنون أو مَقولةٍ تحريضية ومُحَمَّلة بمرجعيات مُتَعدِّدة، كانت فيما يبدو زفرةً مَحبوسةً في صدر الجابري وآنَ لها أَنْ تَتَحرَّر. ولتَحقيقِ ذلك بالمقابل، يُحَرِّرُ الجابري من ذاكرته الخاصة بعضاً مما اختَزَنَته: أماكن وأصدقاء وشخوصاً تاريخية ومعاصرة، مثل: ماياكوفسكي، فلسطين، مانديلا، العراق، غيفارا،الحلاج، المعري، غاندي، بغداد، الحجاج وغيرها، بحيث يغدو القميص قناعاً أو مرآةً يرى الجابري فيها أَزمات الحاضر، مُستَنيراً بالضوءِ القادمِ من الوَراء/ التاريخ، سَعياً نحو ' رؤية' و ' رؤيا' قد تُسعفهُ في استشرافِ مجاهلِ المستقبل. يقولُ في ' قميص الحلاج': ' الرؤوسُ جميعها يانعة/ فمتى/ تتعبُ/ من/ القطاف...؟؟'
عبرَ نصوصِ مجموعته ' يتوكَّأ على عَماه'، يَشدُّ الجابري الرِّحالَ إلى أراضٍ جديدة في الكتابة الشعرية لم يَطأها من قبل، مُتَزوِّداً بمخزون لغوي، وبصيرةٍ نافذةٍ إلى الأشياء التي تَستَحقُّ الاحتفاءَ بها، حتَّى لو اضطرَّهُ ذلك إلى أنْ ' يتوكَّأ على عماه' في وقتٍ تجدُ الكثيرينَ مُنهمكينَ بالتَّلصُّصِ والمراقبة وتَتَبُّع سوءات غيرهم، دونَ أنْ يُبصروا شيئاً من سوءاتهم أَو يَتَعرَّفوا إِلى مَلامحهم حتَّى لو حَدَّقوا في أَضخَمِ مرآة.
شاعر من الاردن

السبت، 14 نوفمبر 2009

يتوكأ على عماه

( يتوكأ على عماه )
للشاعر العراقي عبود الجابري
ـــــــــــــــــــــ



عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، صدرت للشاعر العراقي عبود الجابري مجموعته الشعرية ( يتوكأ على عماه ) ، وهي مجموعته الثانية بعد ( فهرس الأخطاء ) التي صدرت عام 2007 ، وتتكون المجموعة من عشرة نصوص تتلمس فكرة العمل على توليد البنية عبر لملمة المتناثر من الشظايا أو تشظية الفكرة في مبان عدة للنص يقترحها نص ( غيوم ورقية ) :
هل المطر دم الغيمة الجريحة ؟؟
وماذا لو لم يلتئم جرحها ؟؟
هل كانت ستمطر حتى الموت.. ؟

مثلما تتعامل نصوص مثل ( نزلاء) و ( منازل اليد ) و ( كما لو أنها قصيدة حب ) و ( ساعة معطلة ) مع فرضية الوصول إلى شكل آخر للوجود الإنساني المعطل ، والأسئلة الوجودية التي تموت أجوبتها في ثناياها عبر ( لم يمهله طويلا ) و ( أسباب موجبة ) ، كما تغوص ( تخطيطات حجرية ) في ماهية الحجر :

الثقوب..
أحجار مهاجرة من الجدار

******
الرخام
حجر أدركته النعمة فجأة

مثلما يرسم نص ( الأبواب ) صورا شخصية للباب في حالاته المختلفة
ويأتي ( كتاب القمصان ) ، الذي وضع له الشاعر عنوانا فرعيا هو – مرايا شعرية – ليرسم صورا متناثرة لشخوص ومدن تسكن الذاكرة الفردية منسلة إلى تفاصيل أثرها وانعكاساته على الحاضر ، حيث يقول في قميص العراق :
غفرانك
فقد تكاثرت المرايا
واسودت الوجوه

متخذا من القميص ثيمة أساسية لتناسل الصراعات والقصص الذي ألقى بظلاله على الشكل التاريخي لقراءة الحاضر من خلال قمصان لشخوص مثل أبي ذر الغفاري ، امرؤ ألقيس ، مانديلا ، بغداد ، فلسطين ، الحلاج ، المتنبي ، العراق ، المعري وآخرين .....

الجمعة، 6 نوفمبر 2009

شاعر عراقي لايؤمن بتباكي الشعر على الوطن / جريدة الراي الأردنية

شاعر عراقي لا يؤمن بتباكي النص على الوطن



حاروه- إبراهيم السواعير- يصدر أواخر هذا الشهر، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ديوان يتوكأ على عماه للعراقي عبود الجابري، وهو الديوان الثاني بعد فهرس الأخطاء الصادر عام ألفين وسبعة عن دار أزمنة؛ وعلى هامش تواجده في الأيام الثقافية العراقية بعمان، كان للرأي مع الجابري هذا اللقاء: شاهدناك ونفر من الشعراء العراقيين تتداولون الغربة ملمحا عاما في أمسيتكم الأخيرة؛ كيف ترى الحنين محرضا على المزيد من النتاج- مهما كانت درجة إبداعه؟! الحنين صفة لازمت العراقيين منذ أن وجدوا، وبالتحديد التغني بمسقط الرأس؛ وتحضرني أسطورة تداولها آباؤنا تشير إلى أن عراقيين هجروا مخافة أن يدركهم الفيضان، وكانت المسافة بين بيتهم الجديد والنهر خمسة عشر كيلو، ولما استقر بهم المقام صاروا يقسمون بغربته! وأنا أقول إن الحنين العراقي يختلف عن تفاصيل الحنين في أي أدب؛ فهو لا يتناول الوطن مغتصبا بل يتحدث عنه هجرة قسرية، وأذكر في هذا السياق الأغنية الفرنسية حرية مشروطة، ومفادها أن العصفور كان يرجو صائده أن يمد في الخيط إن لم يطلق سراحه؛ وأعتقد أن الخيط الأطول الذي يريده العراقيون أو يحبوا أن يمنحوه يدخل فيه أن العودة محتومة؛ لذلك فإنك واجد الأديب أو الفنان العراقي مولعا بصنع الجمال بوصفه معادلا موضوعيا لكثير من تفاصيل البشاعة التي رأوها أو سمعوا بها أمس أو اليوم.
مهما كثرت المرأة لديك، أعني في شعرك، إلا أن انزياحا أو ميلا باتجاه الوطن ؟! أعيب على نفسي أحيانا أن كثيرا من التفاصيل الحميمية في الكتابة عن المرأة تغيب عني قسرا؛ ربما بطريقة غير واعية أحيد بالنص عما هو موجه إليه، إلى تفاصيل لها علاقة بالوطن؛ ولذلك فإن محاولاتي كتابة الغزل الخالص سرعان ما تستحيل قصائد وطنية على غير شعور مني.
* نبقى في الوطن ما السبيل إليه نصا في هذا السيل الطامي من الكتابات؟!
أنا من غير المؤمنين بفكرة التباكي على الوطن؛ سواء كان ذلك في النص الأدبي أو الحوار؛ انطلاقا أن ما قد حصل حصل، وما على المثقف اليوم إلا أن يقوم بتجميل صورة الوطن في عيون الآخرين؛ فبغداد تخضع لاحتلال شئنا أم أبينا، لكنها ما تزال عامرة بأهلها، فلا مجال ليقوم الأدب بالتحريض، فلم تعد سيوف يمكن أن تقارع، ولكني أعتقد أن عليه أن يحيي ما هو موجود في الوطن من جمال، ودعني أقل إنني لم أحس بغربة في الأردن، صحيح أنني أحس بفقدان العراق، فقدان تفاصيل معينة: قسم لي وآخر له علاقة بالجغرافيا، لذلك أعالج كل ذلك بالجمال محرضا على تذوق النص، ومن نافلة القول إنني لا أؤمن بالمباشرة النصية أو النص المتباكي على الوطن.
* لك مرجعية دينية يربطها من يعرف مسقط رأسك بالنجف؛ كيف تتعامل مع المرجعية اللغوية في القرآن؟!
نعم! في كل شارع في النجف يمكنك أن تتعثر برجل دين، فالاهتمام على أعلى مستوياته بالدين في تفاصيل الحياة اليومية هناك في اللغة أو الفقه أو الشعائر، وأذكر أن نزارا قال إن شوارع النجف تلد في كل ساعة خمسين شاعرا، وفيما يخص اتكائي على لغة القرآن فإنه يجيء أحيانا على غير هدي مني؛ فعدا تعلمي القرآن كانت صور نهج البلاغة تغريني بمزيد من الكشف والإعجاب، ولعلك لا تعجب إن قلت لك إن من المستغرب ألا تجد شاعرا أو متحدثا بالشعر في النجف، ولكني مع كل ذلك أحترم، ولا أؤمن بالاستخدام المشوه للغة القرآن في الاستعارة أو التشبيه؛ فأبرز النص على حساب الكتاب الكريم.
* كيف ترى الحراك الثقافي العراقي العراقي أو الأردني العراقي في عمان؟!
أراه سلاحا بحدين، فمنذ عام 1993 فترة وجودي في عمان فإن مثقفين أو أشباه مثقفين كانوا يظهرون ويغيبون، وهم للأسف آذوا الأدب أو الفن العراقي؛ مع أن مثقفين وفنانين على مستوى الشعر والقصة والرواية والفن بعمومه خلقوا حراكا ثقافيا مشتركا، وقد كانت الفترة ما بين 1992 حتى ألفين فترة زاخرة بكل ذلك، وأستطيع القول إن صالات عرض فنية وأمسيات احتضنتها عمان وأثبتت جدارة. أقول إن عمان احتضنتني منذ الأسبوع الأول الذي قدمت إليها فيه، ولم يكن في حقيبتي غير نصوص وقميص، وقد احتضنتني المدينة، فكتبت في صوت الشعب وساعدني الشاعر إبراهيم نصر الله ولم يرفض لي نصا في الملاحق الثقافية أو المجلات العمانية.
تقرر أن تكون النجف عاصمة للثقافة الإسلامية ألفين واثنتي عشر، وتقرر، أيضا، أن تكون بغداد عاصمة للثقافة العربية ألفين وثلاثة عشر! ماذا يبعث ذلك في نفسك من رضا أو أمنيات؟! التفاتة جميلة أن يقر كل ذلك؛ فيكفي النجف مرجعياتها وحوزتها العلمية وما تتوافر عليه من قيمة ثقافية كبيرة، ويكفي أن تنجب النجف أعلاما في مجالاتهم من مثل الجواهري وأحمد الصافي النجفي وكثيرون.
يحمل الجابري شهادة جامعية في التمريض، وهو من مواليد العراق 1963، وعضو اتحاد الكتاب العراقيين، والكتاب العرب، وصدر له، أيضا، أراجيز الوحشة.

الأحد، 1 نوفمبر 2009

جاي باريني - لماذا نهتم بالشعر ؟؟؟

لماذا نهتمّ بالشعر؟
___________________________________
جاي باريني
ترجمة : عبود الجابري

- الشعر لم يعد يعني غالبية الناس، فهم يمارسون أعمالهم المعتادة وقلّما يلجأ أحدهم إلى شكسبير، وردزورث، أو فروست. حتى إن المرء ليندهش إن رأى للشعر أي مكان في القرن الحادي والعشرين في ظل تنافس الفضائيات والتلفزيون وأشرطة الفيديو من أجل قمع القصائد.. تلك القصائد التي تتطلب قدراً وافراً من التركيز، وقدراً أوفر من مهارات التحليل، إضافة إلى بعض المعلومات حول تقاليد الشعر.
في القرن التاسع عشر كان الشعراء أمثال سكوت، بايرون، ولونجفيلو، يملكون جمهوراً واسعاً حول العالم، وكانت أعمالهم تحقق مبيعات هائلة، وكانوا رموزاً ثقافية كذلك.
غير أن القّراء في ذلك الوقت كانوا يملكون القليل من الخيارات، وإذا افترضنا -وإن بشكل وهمي- أنّ الناس في الواقع يهتمون بالشعر.. فذلك لأنه يزودهم بالحكايات الموحية والمبتكرة، ويعطيهم الكلمات التي تحاكي مشاعرهم، كما أنهم يستمتعون بالقصص الشعبي أيضاً.. الموسيقى والشعر متلازمان في الإدراك.
في القرن العشرين.. شيء ما أصبح مفقوداً.. فقد أصبح الشعر أكثر صعوبة.. وتلك هي المسألة.. حيث صارت القصائد تعكس تعقيدات الثقافة الحديثة وتفككها العنيف.
إن قصائد شعراء مثل عزرا باوند، ماريان مور، ووالاس ستيفنس، تتطلب الكثير من القارئ، كالمراجع الثقافية والنصوص التي تعود إلى بدايات القرن التاسع عشر، التي لم تعد معروفة بشكل واسع، وعلى سبيل المثال فإنك حين ترغب بقراءة باوند بسهولة، فستلزمك بعض المعلومات عن الشعر اللاتيني والإغريقي.
ذلك النوع من التعلم كان شائعاً بشكل مطلق بين القراء المتعلمين في الماضي، عندما كان الأدب الكلاسيكي حجر الزاوية في ثقافة الطبقتين الراقية والوسطى، ولا ينطبق ذلك على قراء القرن العشرين أو قراء اليوم، حيث أصبحت الثقافة أكثر انفتاحاً، وباتت دراسة الأدب الكلاسيكي محصورة ضمن فئة قليلة من المهتمين... بينما صارت نصوص شعراء الحداثة المعروفين تتطلب الكثير من الهوامش.
مع ذلك.. فإن الشعر يستطيع أن يؤثر في حياة القارئ..، لقد جربت ذلك شخصياً، حيث قرأت وكتبت الشعر لأربعة عقود على الأقل..، كل صباح أبدأ يومي بقراءة كتاب شعري وقت الفطور..، أقرأ قصيدة.. ربما قصيدتين، وأتأمل ما قرأت..، غالباً ما أدون ملاحظات حول ما قرأت في دفتر اليوميات.
قراءة الشعر تعيد تشكيل يومي وتزيد خطواتي توهجاً.. وتمنحني ظلال أحاسيسٍ لم تكن موجودة لديّ سابقاً. أتذكر الأبيات، العبارات التي تطفو على ذاكرتي طوال اليوم.. نتف من الأغاني إن جاز لي القول.
أعتقد وبشكل جازم أن حياتي كانت ستصبح هزيلةً من دون الشعر، موسيقاه ، وحكمته العميقة.
إن من الشعر لحكمة.... ، قبل وقت قصير كنت في المغرب، وحدثني رجل تقي من المسلمين أن النبي محمد قال ذلك في حديثٍ نبوي، وتحدث القرآن عن الشعراء مبيناً أخطارهم..
هذا يذكّرني بأفلاطون الذي أراد أن يحرم جميع الشعراء من جمهوريته الفاضلة، لأنهم كما كان يظن.. كاذبون.. الحقيقة كانت متينة عند أفلاطون، فهي عالم متكامل من الأفكار، والعالم المادي يمثل تلك الصورة المثالية، فهو عالم ناقص على الدوام.
كذلك كان التصوير الفني للطبيعة، في مراحل المثالية المتعددة، لا يحتمل أي تشكيك.
غير أن أفلاطون كانت لديه تحفظات أخرى حول الشعراء في الجمهورية، حيث رأى أنهم ينتزعون تعاطف القراء بطرق لا جدوى منها: إنهم يخلطون أحاسيس الرغبة والغضب والأحاسيس الأخرى، الرغبة والألم والمتعة، الشعر يغذي الأهواء ويرويها بدلا من تجفيفها .
بينما التراتيل ومدح الرجال العظماء هي فقط ما على القراء أن يفعلوه.. فذلك أمر حسن وفق القانون وأسبابه الموجبة ، يقول أفلاطون، الذي لم يوغل نهائياً في الشعر من الناحية الفنية، وإنما اكتفى بلصق الشبهات على المهن.. ولم يفرد للشعر مكاناً في عالمه.
حتى شعراء الفترة الرومانسية المعروفون (بايرون، كوليردج، كيتس، شيلي، وردزورث)، كانوا يعيشون على هامش الحركة الاجتماعية، ولم يحظوا بالتبجيل الى حد كبير. وحديثاً فإن علما مثل ألين غينسبرج كان يسخر من بلدانهم، وقد كان الشعر لديهم نزوعاً نحو التمرد، ولم يكونوا ضيوفاً مرحَّباً بهم على موائد المجتمع.
منذ عهدٍ بعيد كان المعلمون والأساتذة يعدّون الشعر جزءاً أساسياً من المنهج الدراسي، وكان الشعر يحتل موقع الصدارة في دروس الثقافة في قاعات التدريس، وكان الشعراء يرتعون في رياض القرى الأكاديمية في الجامعات.
وكان فروست أول الشعراء الذين لقوا ترحيباً عظيماً في الحرم الجامعي، فقد مارس التدريس فترة طويلة من حياته في كلية أمهرست وأماكن أخرى.. وأمضى العقود الخيرة من حياته سائحاً في البلاد، محاضراً او قارئاً لجمهوره العريض، مؤمناً بشدة بأهمية الشعر كمعنى لتغيير العقل.
في التثقيف بواسطة الشعر ، إحدى أروع مقالاته، يناقش فروست. كيف يكون عمل الشعر أساسياً في تطوير الذكاء، وقد ذهب إلى أبعد من ذلك حين رأى أنك إن لم تكن في البيت (الكناية)، فلست بمأمنٍ في أي مكان آخر، ولن تكون مطمئناً بوجود القيم الرمزية ، لأنك لا تعرف إلى أي مدى ستحملك، ومتى ستتحطم . تلك كانت مزاعم كبيرة جداً، وهكذا هم الشعراء، يخلقون المزاعم الكبيرة، ولديهم دائماً قليل من المبالغات.
في الدفاع عن الشعر، يقول شلي : الشعراء هم مشرعو العالم المغيبون ، في صياغة جديدة لعبارة الشاعر جورج أوبين الذي قال: الشعراء هم مشرعو العالم المغيّب .
شخصياً لا أرغب أن يقوم الشعراء بوضع قوانين العالم وأعرافه، لأنهم على أبعد تقدير سيسيئون التصرف في الشؤون العامة، عالم الشعر - إلى حد كبير - عالم غامض من الفكر والأحاسيس، حيث نعيش حياتنا الواقعية، والشعر مهمته أن يسند تلك المملكة الداخلية.
في حديث في جامعة برنستون في العام 1942، وعندما كان العالم ملتهباً، بيّن ستيفنس أن القرن العشرين أصبح أكثر عنفاً جسدياً وروحياً، وبطريقة بليغة عّرف الشعر على أنه العنف الداخلي الذي يحمينا من العنف الخارجي، إنّه الخيال الذي يقاوم قسوة الواقع، ويبدو في المحصلة أننا بحاجة إلى وسيلة لحماية ذواتنا، ودون شّك فإن ذلك هو سبب صياغة الشعر وصدى كلماته التي تعيننا أن نعيش حياتنا .
قسوة الواقع.. تزداد شراسة، ومع ذلك يستمر الشعر بتزويدنا بإمكانيات استيعاب تلك القسوة، من خلال مقاومة القوى الخارجية التي تريد أن تغمر الإنسان وتطمسه. الشعر يمنح العالم صوتاً بطرقٍ كانت مجهولة سابقاً، نحن نصغي للسكون، وصوت الشعر الخافت عند قراءة القصيدة هو ذلك الصوت الذي يقف بضراوة نقيضاً لكل ضجيج المجتمعات أو بشكل أو بآخر ضد أصوات انفجارها.
عادة ما أقوم بتعريف الشعر لطلابي على أنه اللغة التي تلائم خبراتنا، خبراتنا الكاملة، مع النظر في الحسبان إلى الوديان العميقة، القمم، والسهول الفسيحة . إنه يعطي الصوت للأفكار الخافتة، كما قال الشاعر الاسكتلندي الموهوب (الأستير ريد): المرء لا يأمل أن يقوم الشعر بتغيير العالم ، وقد كتب أودن في رثاء ييتس : الشعر لم يفعل شيئاً على الإطلاق .
إلى ذلك الحد.. أجل.. فلم يغير من اقتصاد السوق، ولم يقنع الطغاة بالعدل، كذلك فإنه لم يستطع تحريض الطبقات الدنيا على النزول إلى الشوارع احتجاجا على حرب أو التماساً للعدالة الاقتصادية. إنه يعمل بطريقة أكثر هدوءاً، معيداً تشكيل الفراغ الداخلي لدى القارئ، ويضيف قدراً من الرقة على أفكاره، ويبالغ في تعقيد العالم بين يديه.
اللغة تقوم بتعريفنا ككائنات بشرية. نحن نتكلم.. لذلك نحن موجودون ، لدينا الإمكانية المذهلة للتفاهم بالكلمات، لتكوين الجمل والأوامر، للتعبير عن مشاعرنا، لبدء المناقشات والخروج بالاستنتاجات.
أهمية اللغة الشعرية تكمن في دقتها ومتانتها، وقدرتها على تقريبنا من العالم المادي.
يكتب ايمرسون أن الطبيعة الشفافة للكلمات تدلنا على الاتجاه الذي يدعى روحنا ، واضعاً نصب عينيه ثلاث قواعد ثمينة:.
- الكلمات إشارات لحقائق الطبيعة.
- تفاصيل حقائق الطبيعة، رموز لتفاصيل حقائق الروح.
- الطبيعة هي رمز الروح.
هذه العبارات تشكل برنامجاً للأساليب التي يمكن اعتمادها في الحركة الاستثنائية التي درست الطبيعة وفقاً لرموز الحياة الروحية، وهي مبادئ تستحق التفكير.
في بعض المستويات، تطرح الكلمات حقائق طبيعية (صخرة، نهر، طير، غيمة...)، يكون الإعجاز عند وضعها في عالمها الروحي.. وأعتقد أن الإعجاز يكمن في كيفية وضعها، بشكل بعيدٍ عن التقليدية، في مسارها الروحي، في العالم الباطني العميق الغامض الذي يعيش في كلّ منا، بصرف النظر عن دياناتنا أو معتقداتنا.
أفكر ببيت من جيرارد مانلي هوبكنز : آه.. العقل الذي يحتوي الجبال.. والمنحدرات الشاهقة.. .
العقل يحتوي كل تلك المرتفعات.. والفجاج، والقليلون الذين لم يدركوا ذلك يقفون بخشوع عند سلطان رهبة تلك التضاريس.. تلك هي المملكة الروحية التي يمكن للمرء أن يوجهها في أي اتجاه، الطبيعة أصبحت مؤخراً رمز الروح .
حسب ايمرسون ، الشعر نفسه يجسد تلك الطبيعة. إنه جزء منها، يعكس العالم الباطني، يملؤه بالصور والعبارات، ويثري الأسس في حقيقة حياة الأفراد.
لم أستطع العيش بعيداً عن الشعر، الذي وهبني وجوداً أكثر متانة، أكثر عمقا، وشكل تفكيري، ومنحني روحاً مفعمة بالأمل.. منحني سبلاً للبقاء حيّاً.. ، تلك هي عبارات د.جونسون أرددها من باب التلذّذ.


- * شاعر وناقد أمريكي

كي ريان - شاعرة امريكا المكللة بالفخر

كي ريان .. شاعرة امريكا المكللة بالفخر
____________________________
اعداد وترجمة : عبود الجابري


رغم انها تطلق على نفسها ( المكللة بالفخر ) فأن كي ريان كانت تقوم بتحميص شريحة الخبز لابن اخيها عندما تلقت الأخبار عن موعد الأعلان عن تكريمها
بلقب امير الشعراء في الولايات المتحة الأميركية . بعد ذلك توجب على الشاعرة ذات الاثنين وستين عاما ومدرسة اللغة انجليزية في ( فير فاكس ) أن تعتاد على المسير بخطى متزنة . ( دائما اقوم بقتل الكسل والشرود بركوب الدراجة الهوائية وطهي الطعام ) تقول ذلك وهي تدهن رغيف الخبز بالزبدة ( ذلك يقلب الحياة اليومية راسا على عقب ).الاختزال والبلاغة – مضافا اليهما تدبير الحياة اليومية – هي مفاتيح شعر ريان التي حازت القابا عديدة كان اخرها الجائزة الكبرى في الشعر لعام 2004 وجائزة روث ليلي للشعر التي تبلغ قيمتها مليون دولار.
كي ريان صوت عصري مميز واصيل وغني يتنوع اساليبه الشعرية ) يقول ذلك جيمس بيلنجتون امين مكتبة الكونجرس عشية اختيارها للقب امير شعراء امريكا خلفا للشاعر شارلز سيميك .
ذلك اللقب ترتبت عليه واجبات عديدة اولها قيامها بافتتاح سلسلة نشاطات مكتبة الكونجرس بقراءات شعرية من اعمالها المختلفة . محتفلة بشرف انضمامها الى قافلة الشعراء الذين نالوا اللقب سابقا امثال روبرت فروست ، لويس بوكان ، ويليام كارلوس وتشارلز سيميك .
اخر اعمالها كان مجموعة شعرية بعنوان ( نهر نياغارا ) عام 2006 وهي السادسة ضمن اعمالها وقد تناولها النقاد بالاطراء والتبجيل. ويمتاز شعرهابمحاولة النفاذ الى جوهر الاشياء الكبيرة من خلال احتفائها بالاشياء الصغيرة الواضحة فهي تكتب عن مقابض الابواب والعلاج بالابر الصينية.
ولدت ريان عام 1945 في سان جوس وترعرعت في مدينة صغيرة في سان جوكوين حين كان والدها يعمل في مجال التنقيب عن البترول _ كنت اتمنى ان اعمل شيئا يتضمن سيارة نقل وحبال تحميل _ تقول ريان ، وقد وجدت في قراءاتها الكثير من الشعر المغلف بغموض لم يرق لذائقتها _ لاأحب الوقفة المتكلفة والاعتداد العالي بالذات مثلما لا احب التخفي _ تقول ريان ضاحكة .
وعندما صرت في الثلاثين ادركت انني لا استطيع النخلي عن الشاعر الذي صرته _ وبعد رحلة شهيرة حول البلاد على دراجة هوائية انصب تركيزها على كتابة الشعر و العمل في تدريس اللغة الانجليزية في كلية مارتن كنتفيلد .
لا تكتب ريان بالطريقة التقليدية التي يكتب بهاالآخرون، فهي الوحيدة من بين الشعراء تذكرني باميلي ديكنسون _ يقول ذلك دان غيويا _ الناقد والشاعر الاميركي الشهير ، فكلاهما يكتب القصيدة القصيرة جدا ، القصيدة التي تختزل الكلام ويتسع فيها المعنى ، القصيدة ذات الكثافة ، القصيدة المعبرة عن الحكمة .
لذلك تم اختيار احدى قصائدها ( كيف تغني الطيور )؟ لتزين واجهة المتنزه الرئيسي في مدينة نيويورك ( انها هناك على الجدار الاستنادي الذي يتراكض عليه الاطفال صعودا ونزولا ) تقول ريان.
لم تقرر ريان بعد ماهو مشروعها القادم كاميرة للشعراء ، فهي تحمل افكارا محددة وواضحة عن وظيفة الشعر ، ( على الشعر ان يمنح الاخرين شعورا اكبر بالتحرر ، ويخلصهم من الأوزار ؛ وأتخيل الشعر الجيد يرفع من نسبة الأوكسجين في الهواء ، القصائد فقط تجعل التنفس اكثر سهولة .)










دمو ع التماسيح
______________

التمساح المخلص الوحيد
جفت مآقيه منذ سنوات
فلماذا نكترث لدموع التماسيح..؟

الافكار العظيمة
____________

الأفكار العظيمة
لاتطعم الأفكار الصغيرة
كما يفعل الآباء بأبنائهم
كما شجرة اليوكالبتوس
يسقط منها الورق الميت
والبقايا العقيمة
لذلك يبدو الوقوف
في بستانها دون حراك
امرا مهينا

التاج
_________

المطر الغزير
يجعل الأشجار تهوي
على الجانب الآخر من التلال
تجثو اشجار البلوط العملاقة على الركبتين
لك أن تلمس اعضاءها
وليس لك سلطة في ذلك
وحدها العصافير
تملك حق الطيران الى كل ماهو رفيع الشأن


ثنائيات
________

من ، من يراقب الأجنحة
فأنه يسنطيع أن يستخلص
كيف يتأتى للطيور
أن تقطع المسافات بذلك
الألتصاق الهزيل للأجنحة
، بطريقتها في الأنحناء الى الخلف
، وطريقتها المضحكة في الوقوف
ومن راقب اسراب الطيور على الرمال
سيعتقد انها شويكات صغيرة
نثرتها الرياح
الكثير من الثنائيات تبدو قبيحة
فهل هناك من يستطيع أن يحلم بغراب عريض الجناحين
يستطيع أن يعتزل الفضاء
ويمضي مقيد الساقين حول الأرض ..
ناعقا كعادته ..؟


تكـــــرار
________

حاول أن تسلك الطريق ذاتها
الى المتجر ذاته
مستخدما
حبل التوازن المعلق في الأعلى
ستجد أن كل خطوة لا تشبه الأخرى
المخاطر متباينة على السطوح
يتعثر المرء وحيدا
ولاشيء يحدث
قلة من لديهم الرغبة
واقل منهم الأبطال

سياسة اقصاء السياسة عن الشعر - جون برادلي

سياسة اقصاء السياسة عن الشعر
______________________________
جون برادلي
ترجمة عبود الجابري




( ليس ثمة سياسة في الأدب الأمريكي ).. بهذه العبارة اعتقدت لورا بوش أنها أغلقت الباب

وللأبد على الشعر السياسي .. فهل أفلحت..؟
السيدة الأولى كانت قد خططت لعقد حلقة دراسية تحت عنوان ( حلقة البيت الأبيض الدراسية
حول الشعر الأمريكي ) بتاريخ 12 شباط 2003 وخصصت تلك الحلقة لمناقشة أشعار (اميلي ديكنسون ، والت ويتمان و لانجستون هيوز )، غير أن آلاف الشعراء المناهضين للحرب
قاموا بكتابة آلاف النصوص التي تندد بالحرب الدائرة في العراق وكان من بينهم الشاعر والمحرر ( سام هامل ) الذي قام بتسليم النصوص الشعرية تلك إلى السيدة الأولى مما تسبب
بإلغاء تلك الحلقة .. وكان ذلك سببا لحشد المئات من المناوئين للحرب من عموم البلاد ،
وطباعة القصائد في موسوعات شعرية ، ولو تجاهلنا اثر الخلاف الذي خلفته فرضية السيدة
بوش في ( أن لامكان للسياسة في الشعر ) فإنها ربما ستتمنى لاحقا لو أنها لم تقم بإلغاء
الحلقة الدراسية . راودتني هذه الفكرة إبان معايشتي للحرب على فيتنام، تلك الحرب غير المبررة ، تسببت بأمواج من الاضطرابات المدنية التي أغنت كثيرا من التجارب في مختلف الفنون ولا سيما الشعر الذي شهد ازدهارا واضحا بعدما كان الكلام السياسي حينذاك يتركز على مواضيع محددة مثل التمييز العرقي والجنسوية ومواضيع البيئة، و من خلال قراءتنا لقصائد الشعراء ألين جنسبرغ ، أدريان ريتش ، غاري سنا يدر ودنيس ليفر توف نتعرف على عدد قليل من شعراء تلك الحقبة ممن أبدعوا أعمالا رائدة في هذا الجانب . فنحن في أمريكا نغير اهاب التاريخ كما تغير الأفعى جلدها مرددين التساؤلات ذاتها عن براءة أمريكا
، وها نحن بسذاجة تامة نعيد طرح التساؤلات ذاتها . أودّ هنا أن انقش مشهد الشعر السياسي وانعكاساته على أفكار العديد من الأمريكيين ، وقبل أن أقوم بذلك أود أن اقر بالفضل ل ( لورا بوش ) لقيامها بإلغاء الحلقة الدراسيـــــة عن الشعر الأمريكي .
الشعر في أمريكا يعيش حياة هامشية وهو يحتاج دائما إلى ما يتيسر من التأييد ، غير أن
المدهش هو التساؤل – هل يحتاج الشعر إلى تأييد من هذا النوع ؟؟- ، هل على الشعر
الأمريكي أن يروّج كشعر سياسي ؟؟ ويمكننا صياغة السؤال كمايلي ( هل على الشعر
الأمريكي أن يخصى سياسيا ..؟؟ ).وإذا ما عدنا لقراءة الشعراء الثلاثة الذين اختارتهم لورا بوش لهذا التكريم فسنجد بكل تأكيد أن كلا منهم يمتلك صوته الخاص المميز ، غير أننا لن نستطيع أن نقوم بتكريـــم أي مبدع أصيل بمعزل عن إبداعه . ولنبدأ باميلي ديكنسون:
يمكن تصنيف اميلي ديكنسون كشاعرة سياسية عند الحديث عن عزلتها الاختيارية ، حيث
لم تكن تغادر منزلها إلا نادرا ، وهناك الكثير من الروايات حول قيامها بمحادثة الزائريــن
عبر شاشة مخصصة لذلك ،ولكن هل تعني العزلة شعرا سياسيا ..؟؟
ثمة قصيدة قصيرة لديكنسون تدهشني دائما :
الأيمان اختراع عظيم
لو كان لدى الناس بصيرة
غير أنّ المجهر
أكثر حكمة عند الضرورة
اميلي ديكنسون تكتب عن المجهر عام 1860 م ؟؟ ذلك احد الأسباب التي جعلتني اطرب
لهذه القصيدة ، ولم يكن ذلك سببا وحيدا لإعجابي بها ، فجرأتها أثناء المناقشات في التعليق
على العلاقة بين الإيمان والعلم ما تزال قائمة كما لو أنها كتبت هذا الأسبوع ، كيف إذن يمكن
لهذه القصيدة أن لاتكون سياسية ؟؟ ولماذا لم تكن تعبر عن أفكارها إلاّ من خلال هذا الموضوع؟؟ اميلي ديكنسون لها باستمرار ريادة الكشف عن موضوع الإيمان من خلال
شعرها ، ومن البديهي أن لا نقرأ هذا النوع من الشعر قراءة سياسية على الرغم من إنّ بعض قصائدها تستثير الإعجاب في الوقت الحاضر ، ويجب أن تقرأ بعيدا عن المناهج
الدراسيــــة .ولكن في قصيدة قصيرة مباشرة جدا ، يبدو عسيرا تجاوز البعد السياسي في قصائد ديكنسون، واعني بالسياسي ذلك الشعر الذي يطرح بشكل مباشر او غير مباشر موضوعا اجتماعيا ، الشعر الذي يفترض أنّ حياة الأفراد ليست بمعزل عن حياة الآخرين ، الشعر السياسي برأيي يعني أن تكون تجارب الأفراد غير منفصلة عن تجارب المجتمع ، ومؤكد أنّ قصيدة ديكنسون قد كشفت عن ذلك ، وان خبرتها في استعمال المجهر في المدرسة قد زودتها بتلك الاستعارة لتكوين نظرتها الشمولية للأشياء ، وان كانت قد أمضت القسط الأكبر من حياتها في ( امهر ست ماساشوستس ) ، فأن ذلك لايعني قطيعة أبدية مع عصرها أو إنها لم تكن تملك ما تقول بشأنه، وهل كانت تجهل التأثير الجمالي لحظر السياسة في الشعر؟؟؟
دعونا نمضي إلى الشاعر الثاني في الحلقة الدراسية، ، إذا أردت أن تقرا شعرا رصينا عن
الحرب فدونك ( والت ويتمان ) ، عليك بمقارنة بواكير شعره التي تمجد البطولة في ( أوراق
العشب ) بتلك التي كتبها ابان عمله مسعفا في الحرب الأهلية، شخصيا أميل إلى قراءة
ديوان ( النفير) ، مقتطفات تبدو كأنها هذيانات محموم :

الوجوه ، الأغاني والمشاهد التي تفوق الوصف
غموض يلف المكان
وبعضهم يموت
الجراحون يعملون
والخدم بحملون المصابيح
رائحة الايثر والدم المتعفن
الضجيج، وزحام الأردية الملطخة بالدماء
الساحة المحاذية تمتليء
وثمة من هم في العراء
بعضهم على الألواح الخشبية أو على النقالات
وآخرون يتصببون عرقا
من تشنجات النزع الأخير
ينشجون ، يبكون أحيانا
الأطباء يطلقون نداءات الأمر والاستغاثة
والأدوات المعدنية الصقيلة
تخطف ضوء المصابيح

معبرة بضراوة ، ليست سياسية؟؟ تخيلوا لو أنها قرأت في قاعات الدراسة ، المكتبات العامة
الكنائس ، خلال الحرب الدائرة الآن ، لكانت أو في في صدارة الأعمال التي ترسم المشهد في العراق ، ماذا قدمت الحرب لمن قاتلوا فيها ومن سقطوا في براثنها دون أي تغيير يذكر منذ عصر ويتمان ؟؟ وهو ( ويتمان ) وان لم يعلن إدانته للحرب علانية هنا ، فان رؤيتـــه الشعرية تجردها من الشرعية ، لئن كانت هذه القصيدة غير سياسية ، أو ليست هي أمريكية ؟
الشاعر الأخير الذي اختارته السيدة بوش في الحلقة الدراسية كان أكثر المتضررين من
مواقفه السياسية، ( لانجستون هيوز ) الذي وصل إلى منصب مدير مؤسسة نشاطات
غير الأمريكيين إبان الحقبة المكارثية ، واعترف أنّ هذا المنصب لوحده لن يجعل من
الشخص شاعرا سياسيا !!! ، وهو الشاعر الذي كتب :
يبدو الآن
أنّ على الناس أن يعلموا
انه من العسير أن اصفع هتلر
لأحمي جون كرو

وهو من قال :

اجل
أقولها بوضوح
أمريكا لم تكن أمريكا بالنسبة لي
ومازلت اكرر القسم
أمريكا ستكون بذرة خالدة
إنها حلم
يسكن أعماق قلبي
وعلينا –نحن البشر –
أن نخلص أرضنا
_ الأفكار ،
النباتات،
الأنهار،
الجبال،
السهول الفسيحة
، وامتداد الولايات الخضر
لنعيد تكوين أمريكا ثانية

بينما نلحظ كثيرا من أسلوب ( ويتمان ) في هذه القصيدة ، فأن هيوز يؤسس صوته الخاص
ويرسخ ثراء الثقافة الافرو- أمريكية من خلال الثناء على القارة الأمريكية والحلم الأمريكي
الموعود ، فهو يقول بكل جرأة :
أمريكا لم تعد أمريكا بالنسبة لي
وانه مازال يحلم بما يجب ان تكون عليه أمريكا ، لو أنّها لم تنكث وعودها لجميع مواطنيها.
الم يكن رائعا لو اتيحت الفرصة لدراسة إبداع هؤلاء الشعراء في حلقة السيدة بوش ؟؟؟
على الأقل للتحقق من المذهب الذي يفترض أن ليس ثمة سياسة في الأدب الأمريكي،،
وحقيقة كنت سأنفق بسخاء لشراء تذكرة لحضور المناسبة .


** عن مجلة بميكان الثقافية الالكترونية / العدد 33 / ربيع 2007

جون برادلي
كاتب وناقد أمريكي يعمل في جامعة الينوى حيث يعيش وهو من مناهضي الحرب على العراق.
له كتابان في النقد الأدبي هما:
- الموسيقى الأرضية
- حرب على الكلمات